2008/11/20

كيف تفكر أمريكا ؟

ريتشارد هاس وفكر سياسة أمريكا الخارجية
يُعد ريتشارد هاس Richard N. Haass من أبرز المفكرين السياسيين الأمريكيين. ويتميز هاس عن العديد من نظرائه بمشاركته في عملية صنع القرار الأمريكي في فترات مختلفة، الأمر الذي يٌميز أفكاره ويُطبعها بالواقعية والقابلية للتطبيق. ويٌعد أحد أنصار التيار المحافظ التقليدي، الذي يُؤمن بأهمية قيام الولايات المتحدة الأمريكية بدور قوي على المسرح الدولي، غير أنه يُؤكد على التمييز ما بين مصالح الولايات المتحدة ومصالح الإنسانية كلها. أكاديمي ذو خبرة عملية ولد هاس في بروكلين Brooklyn, N.Y. في عام 1951، وحصل على البكالوريوس من كلية أوبرلين Oberlin College وكلاً من الماجستير والدكتوراه في الفلسفة من جامعة أكسفورد Oxford University. ولهاس خبرة في عملية صنع القرار الأمريكي؛ لشغله العديد من المناصب السياسية والفكرية. فقد خدم في مناصب حكومية عديدة، فعمل في وزارة الدفاع في الفترة من 1979 إلي 1980، وفي وزارة الخارجية الأمريكية في الفترة من (1981 إلى 1985). وشغل منصب المساعد التشريعي legislative aide بمجلس النواب الأمريكي. كما شغل خلال الفترة من 1989 إلى 1993، منصب المساعد الخاص للرئيس جورج بوش (الأب) والمدير الأول للعاملين في شؤون الشرق الأدنى وجنوب أسيا بمجلس الأمن القومي The National Security Council. وفي عام 1991 مٌنِح هاس ميدالية المواطنون الرئاسية The presidential citizens medal لإسهاماته في تطوير السياسة الأمريكية والتعبير عنها إبان عمليات درع الصحراء Operations Desert Shield وعاصفة الصحراء Desert Storm. وشغل أيضاً مدير برامج الأمن القومي وكبير الباحثين بمجلس العلاقات الخارجية the Council On Foreign Relations. وأستاذ زائر في الدراسات الدولية بكلية هاميلتون Hamilton College، وباحث أول بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي Carnegie Endowment For International Peace، ومحاضراً في السياسة العامة بكلية كنيدي لنظم الحكم Kennedy School of Government بجامعة هارفارد Harvard University. عٌين ريتشارد هاس مديراً للتخطيط بوزارة الخارجية الأمريكية planning for the Department of state في فترة استمرت من 9/3/2001 إلى 21/6/2003. وبذلك يُعد الرئيس العشرين لرئاسة هيئة تخطيط policy planning staff منذ إنشائها في 1947. كذلك عُين هاس مستشاراً رئيسياً لوزير الخارجية الأسبق كولن باول Colin Powell. وتجدر الإشارة إلى أن مجلس النواب الأمريكي صادق على منح هاس رتبة سفير، وكان المسئول القيادي في الحكومة الأمريكية لدعم عمليات السلام في شمال أيرلندا ، كما عمل منسقاً للسياسة الأمريكية بشأن مستقبل أفغانستان . وفي وقت سابق شغل ريتشارد هاس منصب نائب الرئيس ومدير دراسات السياسة الخارجية بمعهد بروكينجز Brookings Institution . وأيضاً كان مستشاراً لأخبار الـNBC، ومساهم بشكل متكرر في دورية الشئون الخارجية Foreign Affairs. ويرأس حاليا أحد أهم مراكز الأبحاث الأمريكية، وهو مجلس العلاقات الخارجية (Council Of Foreign Relation (CFR)) الذي يصدر عنه دورية الشئون الخارجية.
البحث عن مصالح دائمة كما أشرنا في السابق ينتمي ريتشارد هاس للتيار المحافظ التقليدي. والذي يؤمن بأن المحرك الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية هو تحقيق المصلحة القومية. ففي مقاله بعنوان " لحظة بالمرستونيان The Palmerstonian Moment"، يرى هاس أن العلاقات الدولية حالياً تكشف عن أن الدول ليست في خصومة واضحة أو حلفاء تلقائيين، فهو أمر يصعب التنبؤ بشأنه. فالدول يمكن أن تكون شركاء نشطاء في قضية ما وغير نشطاء في قضية أخرى. ومِن ثم على الإدارة القادمة تبني المشورات الهادفة، وبناء ائتلافات مع الدول الأخرى. فالمٌحافظون التقليديون يرون أنه رغم كون الولايات المتحدة قوي عظمى إلا أنها لا يمكنها الالتزام اللانهائي بالقضايا الدولية. وأن قوة الولايات المتحدة تتمثل في تعبئة القوى الأخرى والتأكيد على المصالح الجماعية وتمكين الأمم الأخرى من المشاركة في حل المشكلات الدولية على أسس جماعية. وفي هذا السياق، أشار هاس إلى القول المأثور لللورد بالميرستون Palmerston Lord ، "أن الأمة ليس لديها أصدقاء دائمين أو أعداء دائمين لكن مصالح دائمة". الدور الأمريكي في الشرق الأوسط الجديد تحدث هاس عن الدور الأمريكي في الشرق الأوسط الجديد، وتحدياته وتصوره عن مستقبل هذا الدور. وذلك في مقاله بعنوان "الشرق الأوسط الجديد The New Middle East"، التي نُشرت في دورية الشئون الخارجية. والتي عَبر من خلالها عن أن سيطرة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط تشهد نهايتها، وأن الحرب الأمريكية على العراق كانت بداية النهاية، وأن حقبة جديدة في تاريخ المنطقة قد بدأت، وأنه على واشنطن أن تعتمد على الدبلوماسية بدلاً من القوة العسكرية من أجل التأثير في المرحلة الجديدة. وفي هذا السياق ينصح هاس بعدم الاعتماد بصورة كلية على القوة العسكرية واللجوء للدبلوماسية. وقد تحدث هاس عن أن صانعي القرار الأمريكي في حاجة لتجنب خطأين: الخطأ الأول يتمثل في الاعتماد على القوة العسكرية؛ حيث أن الولايات المتحدة قد تعلمت مما تكلفته في العراق، وما تكلفته إسرائيل في لبنان أن القوة العسكرية ليست هي العلاج. ويُضيف أن القيام بشن ضربة استباقية على إيران لن يفشل فقط في تدمير جميع المنشآت، ولكن أيضاً يمكن أن يقود طهران لإعادة إنشاء برنامجها ولو سراً. ومحققاً التفاف الإيرانيين حول نظامهم، كما أنه يمكن أن يٌحث إيران الإضرار بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان والعراق، وربما بِشكل مباشر في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أنه يمكن أن يدفع العرب والعالم الإسلامي إلى التطرف، وتوليد المزيد من الإرهاب والحركات المعادية للولايات المتحدة الأمريكية. كذلك قد يؤدي العمل العسكري ضد إيران إلى ارتفاع أسعار البترول، وزيادة الأزمات الاقتصادية الدولية والتدهور العالمي. ولهذا ينصح هاس بضرورة جعل القوة العسكرية الملجأ والملاذ الأخير. الخطأ الثاني، يتمثل في اعتبار ظهور الديمقراطية حل لإصلاح المنطقة. فمن الصحيح أن الديمقراطيات الناضجة لا تهدف لشن الحرب على بعضها البعض (السلام الديمقراطي).
غير أنه خلق مثل هذه الديمقراطيات يتطلب وقتاً طويلاً كما أنه ليس بالأمر الذي يسهل تحقيقه. ومن ثم على الحكومة الأمريكية في هذا الوقت أن تستمر في العمل مع الحكومات غير ديمقراطية لتحقيق مصالحها. كما أن الأحداث تكشف عن الديمقراطية ليست حلاً لمشكلة الإرهاب. واستدل على ذلك بموقف كلاً من حماس وحزب الله اللذين استغلا الفرص التي وفرتها الديمقراطية من خلال الانتخابات، ثم ما لبثا أن قاما بشن هجمات عنيفة. مما عزز فكرة أن الإصلاح الديمقراطي لا يوفر ضماناً كافياً. ومن ثم فهو يرى أن المبادرات الناجحة تكمن خطوات مٌصممة بشأن إصلاح الأنظمة التعليمية، ودعم التحرير الاقتصادي، وفتح الأسواق، وتشجيع السلطات العربية والإسلامية للحديث عن الطرق التي من خلالها تفريخ الإرهاب والإفصاح عن الداعمين له، وبحث العوامل والشكاوى التي تدفع الشباب لانضمام للجماعات الإرهابية. الصراع العربي ـ الإسرائيلي وعملية السلام بالمنطقة وفي حوار أٌجري مع هاس بشأن مؤتمر أنابوليس تم نشره على الموقع الإلكتروني لمجلس العلاقات الخارجية أجراه جيدون روز Gideon Rose، في 28 نوفمبر 2007 بعنوان "The Mideast Peace Talks in Annapolis". أشار هاس أن عملية السلام لا يمكن تحقيقها بعقد مقابلة بين الأطراف في مؤتمر . وأن السبب وراء اهتمام الإدارة الأمريكية بعملية السلام وعقد مؤتمر أنابوليس بشكل جزئي يرتبط بتغيير السياسة الأمريكية في المنطقة بإعطاء الأولوية للعمل الدبلوماسي أولاً، وعمل مجهود في تحقيق النجاح في التوسط بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. ويرى هاس أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس بوش كان لحد ما محبط. ويرجع ذلك لإخفاقه في إعطاء الفلسطينيين الأمل، والأمر الأكثر أهمية إعطاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس شيء يمكنه الرجوع به للشعب الفلسطيني والقول أنه من أجل ذلك تمت المفاوضات مما يدفعهم لتحقيق أمالهم بالعنف والمواجهة وحماس. وتحدث أيضاً عن أنه في الوقت ذاته أن ما أشار إليه الرئيس الأمريكي في خطابه بمؤتمر أنابوليس عن أهمية كون إسرائيل دولة يهودية يٌعبر عن رسالة واضحة للإسرائيليين أن أي فلسطيني لديه الحق في العودة سيكون عودته لفلسطين. مما يعني عدم الخوف من الظروف والتغيرات الديموغرافية للسكان. وهو ما يتفق مع رؤية التيار المحافظ التقليدي للسلام التي تقوم على أن يكون هناك دولتين مستقلتين بحدود تقترب من حدود ما قبل حرب يونيو 1967 مع بعض التعديلات الناتجة عن التفاوض وليس الضم بشكل انفرادي أو إكراهي. ويخلص هاس إلى أنه لأسباب عديدة يعتقد أن الشرق الأوسط في حالة أسوأ اليوم مما كان عليه الحال منذ سبع سنوات والتي رصدها في الآتي. § ضعف الوضع الأمريكي في الشرق الأوسط الكبير. § ظهور الإمبراطورية الإيرانية ذات نفوذ وتأثير يتجاوز حدودها

ليست هناك تعليقات: